[size=21]بسمه تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن من الخطأ بمكان، أن ننظر إلى منزلة النبي الأعظم من خلال مناقبه
المثلى، لأجل التعظيم المجرد طلبا: للشفاعة، أو قضاء الحاجة -كما هو
متعارف بين العامة- ناسين الهدف الذي من أجله بعث النبي الاكرم (صلى الله
عليه وآلهِ وسلم)، ألا وهو تخليص البشرية من كل شوائب الشرك: جليّها
وخفيّها.. ولا يتحقق ذلك إلا من خلال اتخاذ النبي (صلى الله عليه وآلهِ
وسلم) أسوة وقدوة، لا بمعنى الوصول إلى نفس مدارج النبي من الكمال، وإنما
التشبه به قدر الإمكان.
إن ما يؤكد قابلية النبي (صلى الله عليه وآلهِ وسلم) للتأسي به بدرجة من
الدرجات، هي التعابير الملفتة في قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثير}، ففيها التعبير
بـ ( كان) الدال على الثبات والاستمرار، والخطاب للجميع بعبارة ( لكم )..
واشترطت القدرة على التأسي، بضرورة الإيمان بالله تعالى الذي لولاه، لما
تحرك العبد، ولولا الحركة لما رأى ضرورة للتأسي برموز تلك الحركة.. وكذلك
بضرورة الإيمان باليوم الآخر الذي لولاه، لفقد العبد مشوقات الحركة: طمعا
في الأجر، وخوفا من العقاب.
زامنت ولادة النبي (صلى الله عليه وآلهِ وسلم) تغييرات طبيعية ملفتة من:
انفصام طاق كسرى، وابطال سحر السحرة، وجفاف بحيرة ساوة، لتبشر بتحقق عصر
جديد في تاريخ البشرية.. فهي المرحلة الثانية الملفتة بعد خلقة آدم (عليه
السلام) كما زامنها أيضا تحرك الأبالسة لتغيير المسيرة.. فقد ورد أن
الأبالسة قالوا للشيطان: ما الذي أفزعك يا سيدنا؟.. فقال لهم: ويلكم!..
لقد أنكرت السماء والأرض منذ الليلة، ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى
الى الحرم، وخاطب جبرائيل قائلا: هل لي فيه نصيب؟.. قال: لا.. قال: ففي
أمته؟.. قال: نعم، فقال: رضيت.. والدرس العملي من ذلك: أنه كلما اشتدت
موجبات الهداية، كلما ازداد تكالب الأعداء على السائر في طريق الهدى.
يصف علي (عليه السلام) أخاه وهو ربيب المصطفى، قائلا: (ولقد قرن الله به
من لدن أن كان فطيما، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم).. وهكذا
فإن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا، سدده إلهاما، أو إقرانا بملك.. فما
المانع من أن يطلب العبد من ربه، أن يسدده بملائكة التسديد، ليحفظونه في
دورة حياته الصاخبة، من موجبات الانحرافات، والارتماء في أحضان
الشياطين؟..
إن القرآن الكريم وصف النبي (صلى الله عليه وآلهِ وسلم) بما لم يصف به
احدا من الانبياء العظام، وهو أنه على خلق عظيم.. وليس المهم أن يمتلك
الإنسان هذه الصفة في خلوته مع نفسه، وإنما المهم أن يكون كذلك في خضم
المواجهة مع العناصر الاجتماعية المنافرة.. فقد ورد أنه جاء شاب الى النبي
(صلى الله عليه وآلهِ وسلم) فقال: أتأذن لي بالزنا؟.. فنهره الأصحاب
وأغلظوا عليه، ولكن نبي الرحمة (صلى الله عليه وآلهِ وسلم) أراد أن يجتث
جذور الفساد من أعماق وجوده، عندما أرجعه إلى فطرته قائلا له: أتحب أن
يزنى بأمك أو اختك؟.. فقال: لا.. فقال (صلى الله عليه وآلهِ وسلم): كل
الناس كذلك!.. ثم وضع يده المباركة على صدره قائلا: اللهم اغفر ذنبه، وطهر
قلبه، وحصن فرجه!.. فأي منا له مثل سعة الصدر هذه، في استيعاب الحركات
المنحرفة؟!..
لم تنحصر معجزة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآلهِ وسلم) في فلق القمر
وحركة الجماد، وإنما تعدت إلى فلق القلوب، وحركة الأفكار.. وإذا بأمة
تنفرد بين الأمم بأرذل خصلة (ألا وهي وأد البنت، وهي من أحب فلذات
أكبادنا) لتتحول إلى خير أمة أخرجت للناس، أمثال: حنظلة غسيل الملائكة،
وقتادة بن النعمان الذي شهد بدرا، وفقئت عينه يوم أحد فجاء إلى رسول الله
(صلى الله عليه وآلهِ وسلم) فقال: إن لي امرأة جميلة، أحبها وتحبني، وإني
جديد عرس، فأكره أن تراني بهذه الهيئة.. فأخذها النبي (صلى الله عليه
وآلهِ وسلم) ووضعها في مكانها قائلا: اللهم اكسه الجمال![/size]